U3F1ZWV6ZTM2NTcxODYxMjE3MDQ3X0ZyZWUyMzA3MjY5MjQ1NjA0Mg==

أهمية النهج الديمقراطي في المدرسة في إرساء المشروع المجتمعي


أهمية النهج الديمقراطي في المدرسة في إرساء المشروع 
المجتمعي

كان اختراع المدرسة عملا ذكيا بامتياز، فالمجتمع الإنساني حين قرر أن يبتكر مؤسساته التي يضمن بها استمراره وبقاءه وتطوره لم يجد خيرا من المدرسة، فأحدثها وقرر أنظمتها وحدد وظيفتها وأوكل إليها النشء لتتعهده بالتربية والتعليم.

لكن المجتمع الذي يراهن على المدرسة كمؤسسة ضامنة لبقائه وتطويره وتجديده برعاية ناشئته وتوريثها المعارف وأنماط الحياة، فإنه لا يعتمد في ضمان هذا البقاء على نقل المعرفة عبر الأجيال بشكل فاتر، فهذا النقل التقليدي للمعرفة لا يرضي طموحات المربين ولا يستجيب لتصورات الساسة لأنه لا يتيح للمجتمع فرص التجدد ولا يلبي حاجته للتطور والتقدم، فمن أبرز عيوب العمل المدرسي الذي ينصب على تقديم المعرفة وتشريبها للناشئة أنه لا يولي كبير عناية لعناصر الشخصية.

إن وظيفة المدرسة خطيرة يميزها موضوعها الذي هو الإنسان الذي تحضنه في أكثر مراحل حياته أهمية، والمدرسة تميزها أدواتها ووسائلها وهي المعارف والقيم وأهدافها التي هي تكوين المواطن من حيث هو إنسان عارف وعامل وحامل لقيم ومبادئ؛ لذلك يحرص المفكرون والقادة على الاتفاق حول مشاريع مجتمعية ترسم غايات العمل التربوي وأهدافه، وسمات الشخصية الفردية التي ينبغي أن تكون نتاج هذه التربية، مساهمة منهم في تأسيس مداميك التنمية والتطور والتقدم الاجتماعيين.


*
مكانة المدرسة في المشروع المجتمعي:

إن أي مجتمع لا يمكنه أن ينشئ أجياله ويعدهم الإعداد الملائم المحقق لغاياته ما لم يكن له مشروع مجتمعي واضح ومخطط بعناية يحدد التحديات التي يروم التغلب عليها وما يبتغيه من إعداد أجياله وطرق التنشئة الملائمة التي تضمن بلوغ الغايات؛ وإن أمتنا الساعية بخطى حثيثة نحو إرساء قواعد مجتمع ديمقراطي تسوده العدالة ويحقق التقدم والرخاء والاستقرار السياسي والاجتماعي يجب أن يراهن على المؤسسة التربوية في سبيل بلوغ ذلك.

وإذا كان المشروع المجتمعي يجعل التخطيطات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لإعداد النشء (عملية واعدة وراشدة وهادفة، تنطلق من آمال المجتمع وطموحاته وتأخذ بعين الاعتبار إمكاناته وقدراته، فالمشروع المجتمعي هو نتاج التفكير الواعي والمنظم، يوجه خطط المجتمع وبرامجه الاجتماعية، وهو نابع من سياسته وإيديولوجيته ويعبر عن أهدافه البعيدة) (1) ؛ فإنه يعتمد في سبيل بلوغ ذلك على المؤسسة المدرسية التي تجعل أنواع المعرفة وطبيعة القيم والمبادئ التي يتوقع أن يحملها الناشئ محددة وواضحة وقابلة للتحقيق، معروضة وفق ترتيب متدرج يراعي مستويات نمو الناشئة وطبيعة الحياة المدرسية والوسائل التعليمية المتاحة والظروف الثقافية والسياسية المحيطة وغير ذلك من الشروط.

فكيف يمكن لمؤسساتنا التربوية الإسهام بفعالية في سبيل تحقيق المشروع المجتمعي الديمقراطي الذي يسوده الأمن والاستقرار ويسعى بخطى حثيثة لتحقيق التنمية والتقدم؟


*
الحياة المدرسية وبناء الديمقراطية:

إن المدرسة هي القناة الرسمية لإعداد العناصر البشرية المهيأة لممارسة السلوك الديمقراطي والمشاركة الفعالة في مجتمعها وفقا للمبادئ والقيم الديمقراطية (2).

وفي الحياة المدرسية كما في الحياة الاجتماعية يتطلب إقرار الديمقراطية إشراك الجميع وإسهامه في بناء صرح العلاقات التربوية بكل حرية وتلقائية، وتجديده وترسيخه بالحوار والنقاش الحر والتلقائي والمسؤول، ضمانا لتحقيق الوئام وتبادل التقدير داخل المجتمع الصغير. فالتربية على المواطنة تبدأ من هذه النقطة وتتأسس عليها. ولا يمكن للعلاقات التربوية المدرسية التلقينية المنغلقة على نفسها واللامبالية بالآخر وبحقوقه وبثقافته أن تدعي القدرة على التنشئة الحضارية والسياسية التي نروم تحقيقها. فلابد من إحلال طرق تعليم بديلة للطرق التلقينية التي لا تسمح بتبادل العلاقات بين المعلم والمتعلم، وتتيح للتلاميذ ممارسة حقهم في أن يشاركوا أو يناقشوا أو يمارسوا أو يعملوا فكرهم فيما يتعلمون، وتكرس في نفوسهم الإيمان بحق الاختلاف وجدوى الحوار الثقافي وقيمة التواصل الحضاري والتبادل المعرفي المجرد من كل تعصب وغلو أو أنانية أو انغلاق.

ومن باب التربية على الديمقراطية وثقافة المواطنة ترسيخ قيم التعاون والتضامن والمشاركة، وعلى المدرسة أن تعكس ذلك في مناهجها وممارساتها اليومية، فمن المعلوم أن عملية التربية لا تقوم على النقل المباشر للمعارف وتعليمها، وقيم التكافل والتضامن لا يمكن تحفيظها للتلاميذ في شكل منظومات أو أراجيز، فبذر هذه القيم يتم من خلال إشاعتها في الحياة المدرسية وفي العلاقات التربوية بين المعلمين والتلاميذ على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وأصولهم الثقافية، قد يتحقق ذلك بنسب متواضعة من خلال أعمال الإحسان ومشاعر العطف والمودة التي يجب أن يتحلى بها المعلم تجاه تلاميذه ويبديها نحوهم، ولكنه يترسخ ويثبت في ظل العلاقات التشاركية التي تسود المؤسسة المدرسية، وفي ظل تواصل تبادلي حر وإنساني بين المعلمين والتلاميذ وبين التلاميذ أنفسهم، فينبغي على المدرسة أن تجعل التعليم يعتمد أساسا على التنشيط الذي تكثر فيه فرص التواصل الحر ومبادلة العلاقات التربوية والاجتماعية التي تتيح لبروز مشاعر التضامن والتعاون والتكافل الفطرية الكامنة في الناشئة وتنميها حتى يكتسي سلوك الصبي طابعا أخلاقيا فاضلا، ويكتسب حدا أدنى من الحس الاجتماعي ويقدر القيم المجتمعية الدينية.

كما يجب لفت النظر إلى أن إحلال القيم الديمقراطية والتربية على حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة في الجو المدرسي لا يجب أن يكون ظرفيا، محكوما بمناسبات خاصة، كما هو سائد اليوم في أكثر مدارسنا، بل يجب أن يتم بصيرورة مستديمة تعبر بصدق عن انفتاح المدرسة وارتباطها بالتغيرات الاجتماعية.


*
المدرسة وتشكيل نظام القيم:

دور المدرسة في بناء قيم صالحة لتشييد صرح البناء الاجتماعي السليم والمتطور، وقدرة المدرسة على إشاعة القيم النبيلة في الجسد الاجتماعي يعتمد حتما على بناء وتشكيل نظام القيم في الناشئة وصيانة القيم الاجتماعية والإنسانية الخاصة بمجتمعنا، فلا يجب الركون إلى قدرة آلية تعاقب الأجيال على نقل هذه القيم، فهذه القدرة ضعيفة وغير محصنة لأنها تخضع لتأثير العوامل الاقتصادية والإكراهات التاريخية التي لا تقوى الأجيال على التغلب عليها مما يؤثر حتما في نوعية القيم المنقولة والمشكلة والمتطورة.

والمدرسة التي يعول علها المجتمع ويعقد عليها آماله في إعداد الناشئة، قادرة بما أوتيت من وسائل بشرية وإمكانات أن تؤدي وظيفتها على أكمل وجه، لهذا ظل المربون والمفكرون والباحثون منذ عقود كثيرة من الزمن يؤكدون على أن تحقيق الديمقراطية وإرساء القيم الأساسية للمشروع المجتمعي الديمقراطي مرهون إلى حد كبير بتحقيق الديمقراطية في المؤسسة التعليمية التربوية، ويبينون في الوقت ذاته أن التربية على قيم المواطنة لا يمكن أن تتحقق من خلال دروس الشأن العام وحدها، فرغم أهمية هذه الدروس وقيمتها المعرفية، فإن التربية على قيم المواطنة يحتاج تحققها إلى عمل مكثف ومجهود متواصل لإرساء القيم التي تكتسي أهمية خاصة توازي بل تفوق أهمية المعرفة المدرسية، لأن جميع المعارف المدرسية يجب أن تخضع للقيم وتتضمنها، كما يجب تضمين القيم في كل الأنشطة التربوية المدرسية اليومية الأخرى وكل النظام التربوي المدرسي برمته حتى يتحقق الأمر المنشود (3).

وقد جاءت توصيات وقرارات المنظمات الدولية الوصية على قطاع التربية والتعليم في العالم مثل منظمة اليونسكو واليونسيف ومكتب التربية العالمي وغيرها تدعو لتضمين البرامج التعليمية والكتب والوسائل القيم الكفيلة بتكوين المواطن الحر والمتضامن المسؤول والمتفتح الذي يقدر قيمة الحرية ويحترم كرامة الإنسان ويؤمن بحق الاختلاف. لأجل ذلك تدعو إحدى وثائق اليونسكو إلى العناية بالمقاربة التعددية في مجال اكتساب المعارف، التي تقتضي دعم نمو الفرد وتعزيز إيمانه بقدراته الذاتية واستقلاليته واحترام الآخرين وتطوير معنى المسؤوليات الاجتماعية في سياق التعاون والتآزر والاستقلال المتبادل (4).

وعلم النفس التربوي – وهو أحد أهم وسائل وأدوات اشتغال المدرسةيضع في مقدمة أهدافه تشكيل نظام القيم بحيث يسهل انتقال مفاهيم القيم في المجتمع والأهل إلى الأطفال مع الحرص على حماية قدرة الطفل على الإبداع وتطوير المفاهيم.

المدرسة مدعوة للعناية بالطفل ورعاية الناشئة، وتشكيل نظام القيم حلقة من حلقات هذه الرعاية، فنظام القيم المرتبط بالمعايير الاجتماعية يشكل الإطار المرجعي للسلوك والتنشئة. وبقدر رعايتنا واهتمامنا بالطفولة يرتفع مستوى تشكيل وبناء جهاز القيم، مما ينعكس إيجابا على الهدف الأسمى، هدف النهوض بالمجتمع، وتشكيل نظام القيم حلقة من حلقات هذا البناء، فنظام القيم المرتبط بالمعايير الاجتماعية يشكل الإطار المرجعي للسلوك.

وفيما يلي تحديد لبعض المحطات التي يمكن الوقوف عندها بانتظام في مسيرة تنشئة الطفولة لبناء سلم القيم بطريقة ذكية وثابتة. ومن هذه المحطات:

-
تعزيز صورة الذات لدى التلميذ: (إثارة الطموح، مساعدته على التحرر والاستقلالية)
-
بث روح المسؤولية: (الإحاطة بالمثل العليا)
-
محاربة التعصب (دعوته إلى المشاركة في المواقف الاجتماعية)

1-
تحسين صورة الذات لدى التلميذ:

يجب على المدرسة أن تعمل على تعزيز صورة الذات لدى التلميذ، وفي إمكان المدرسين ذلك، من خلال مساعدة الطفل على تكوين ورسم صورة مقبولة ومحبوبة عن ذاته، ويزودوه من خلال مواقفهم اليومية بمواصفات وأبعاد الصورة التي تشكل الأساس للشخصية، حتى يكتشف الطفل تفرده عن غيره ومزاياه ومهاراته التي تميزه ويختص بها. فكل تلميذ يمتلك خصائص فريدة من نوعها ومواهب شخصية وخيال وطباع وعواطف وقوى للملاحظة، وقابلية للتحرير والتحليل والإنتاج (5)، ويكون ذلك كله مصدر اعتزازه ومطية تواصله وتفاعله مع غيره.

فالتلميذ يتقبل من أول وهلة الشخصية التي يعطيها له المحيط ويقوم عادة بالدور الذي تحدده الشخصية التي غالبا لم يخترها إنما فرضت عليه، فالمدرس الذي يردد باستمرار أمام تلميذه بأنه غبي وكسول، سيؤدي حتما بالتلميذ إلى أن يتصرف بإيحاء من هذه الصورة، فالصورة السيئة تحبط عزيمة التلميذ وتشوه تنشئته وتشل فيه كل عزيمة أو طموح.

ولا يجب أن يفهم من تعزيز صورة الذات تضخيما للأنا، أو احتقارا للآخر وتجاهلا له أو إنكارا لطقوسه وعاداته، والتغاضي عن إبصار أو إدراك أي حقيقة أخرى خارج الذات، فهذا هو التعصب وبداية الطريق للتطرف. لأنه يعوق التفاهم والتعايش والتواصل مع الآخرين.

-
إثارة الطموح:

إن إثارة الطموح لدى التلاميذ الصغار يؤثر في تعزيز صورة الذات لديهم، كما يؤثر في مستوى طموحهم عندما يشبون وفق ما يتلقون من إثارة محبطة أو مشجعة. كما أن مستوى الطموح يوازي درجة هذه الإثارة وذلك كله يرسم لهم نمط الحياة الشخصية ومسارها في المستقبل، فيكفي أن يوحي المدرس أو المدير أو غيره للتلميذ قولا أو فعلا بأنه لا يصلح للدراسة حتى يدمروا طموحه ويخنقوا طاقاته ويبقياه طيلة حياته في المراتب الدنيا؛ بينما بالإثارة المشجعة تعزز المدرسة صورة الذات المكتسبة وتحرك في التلميذ دينامية طامحة تسعى لتجسيد أنماط الشخصية الإيجابية الموصوفة والمقتدى بها (6).

إن تأهيل الموارد البشرية رهين بمدى الإرادة الذاتية والمبادرة المقدامة التي يمكن أن يتوفروا عليها، وسبيل ذلك تحرير الطاقات الكامنة في الناشئة لتأهيلهم لخوض أوراش الإنتاج بتنافسية واقتدار والمساهمة في تنمية المجتمع والمضي به قدما على درب التقدم والرخاء.

-
مساعدة التلميذ على التحرر والاستقلال:

لا يمكن تعزيز صورة التلميذ عن ذاته أو إثارة طموحه إلا في جو من الحرية والثقة والمحبة. ومن ذلك إتاحة الفرصة للتلميذ للتعبير عما يريد، وحثه على إبداء رأيه في كل المشكلات المطروحة للنقاش، واحترام الرأي الذي يعبر عنه، وتعويده وتشجيعه على اتخاذ القرار بنفسه بعد توضيح مبرراته وحيثياته وموجباته، وفي ذلك تلبية لحاجات الأطفال إلى الاستقلال التي تعد بحق أهم حاجاتهم النفسية خلال الفترة العمرية التي يشارفون فيها مرحلة المراهقة. فالتعامل مع الأطفال يجب أن يأخذ بعين الاعتبار حاجاتهم، كما يجب أن يتأسس على معرفة بطبيعة نموهم ومطالبه.

المعلم يجب أن يتعرف التطورات الحالية في الصحة النفسية والعقلية، ونمو الطفل وحاجات المراهق والشاب ودينامية الجماعة، ويرد الحاجة إلى الفردية ويساهم في تحرير المدرسة التقليدية المحافظة من تزمتها وتمحور أنشطتها حول المادة التعليمية، ويساهم في تنمية الروح الاستقلالية والعزائم الخلاقة ليقدم بذلك جيلا قادرا على إحداث التنمية الاجتماعية المنشودة (7).

فوظيفة المعلم هي أن يساعد التلاميذ على مواجهة مشاكلهم لا إلى حلها بالنيابة عنهم، ودفعهم إلى إصدار القرارات التي تهمهم بدل التقرير نيابة عنهم وفرض اختياراته في غيبتهم. ومن خلال ذلك نستطيع أن نصل بأطفالنا في سن مبكرة إلى ممارسة مفهوم المسؤولية والواجب في السلوك والتصرفات، مما يؤدي إلى امتلاك الاعتماد على النفس والسيادة الذاتية وبالتالي إلى أداء الدور الاجتماعي الرائد بحيث يساهم في صون المجتمع من كل انكفاء أو اتكال.

2-
بث روح المسؤولية:

والتدريب على بث روح المسؤولية يقتضي منا تكليف التلميذ بين الفينة والأخرى بتنفيذ واجبات تكبر وتسمو بمستواها بحسب سن التلميذ ونضوجه البدني والعاطفي والانفعالي وبحسب خبرته الاجتماعية، ولا يجب أن تقتصر هذه الواجبات على المهام التعليمية المدرسية، بل يجب أن تكون مهمات ثقافية وفنية واجتماعية كتأطير جماعة من الرفاق أو المشاركة في تدبير مرفق جمعوي أو تسيير حساب وتنظيم نفقات حفل مدرسي أو قيادة فريق بحث أو غير ذلك، لتحسيسه بقدره وتنمية روح المسؤولية لديه وزيادة ثقته بنفسه وإتاحة فرصة الشعور بلذة الانتصار عند نجاحه في أداء مأموريته، وفي ذلك ما فيه من إثارة الطموح وتعزيز صورة ذاته لديه.

ففي هذه الأنشطة والأدوار تعويد للتلميذ على احترام الأنظمة مما يعد خطوة أساسية في تشكيل معايير السلوك والمحافظة على حقوق الآخرين وعلى استمرار التواصل بينهم من أجل ذلك ينبغي التعامل بثبات مع هذا الموضوع حتى تترسخ لدى التلميذ قواعد السلوك وأسس النظام، وهذا يتطلب أن يكون المدرسون قدوة.

-
إحاطة التلميذ بالمثل العليا:

وهذا المطلب يؤكد على أهمية وجود أنماط ونماذج سلوكية في حياة التلميذ يقتدي بها وتوضح له بطريقة غير مباشرة المبادئ والمواصفات المرغوب التحلي بها.

فمن المعلوم أن التقليد يلعب دورا مهما ومؤكدا في اكتساب التلميذ من خلال محيطه الأمثلة والأنماط السلوكية، فالامتثال مهم ولازم وضروري في سبيل التعلم والتطبيق والتعزيز، لذلك ينبغي إحاطة المتعلم بالمثل العليا التي تشكل الإطار المرجعي في السلوك والقواعد والمعايير التي على أساسها ينبغي أن تتخذ المواقف. فهذه المثل العليا ستكون منطلقا لتكوين الصورة المرغوبة عن الذات من خلال الطموحات المتسامية باستمرار.

3-
محاربة التعصب:

التعصب هو ممارسة الاتجاه النفسي الجامد المشحون انفعاليا أو ذلك الحكم المسبق الذي لا يقوم على سند منطقي ويحاول صاحبه تبريره ومن الصعب تعديله. والتعصب نقيض الديمقراطية وآفتها، لأنه شعور مرضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.

وفي كثير من فصولنا الدراسية تشيع هذه الاتجاهات النفسية الجامدة والمشحونة انفعاليا، وكثيرا ما نروج أو نسمح بترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطقي مقبول، وكثيرا ما يتعلم منا أطفالنا التعصب، بوعي منا أو في غفلة عنا، حين لا نبدي احتراما لاختيارات تلاميذنا وأذواقهم، ونرفض تقبل الاختلافات أو لا نخلق بطرقنا التعليمية وعلاقاتنا بأطفالنا أجواء التسامح في فصولنا الدراسية (8)، والحق أن الديمقراطية تترعرع على الاختلاف، وحقيقة أن محك احترامنا للآخرين هو قابلية المرء لتقبل الاختلاف واحترام الآخرين يعني احترام الاختلاف، حيث أن الآخرين ليسوا مثلنا، وتقبل الاختلاف الحقيقي هو امتحان لاحترام الآخرين.

والتعصب أنواع يكتسبه الفرد خلال التنشئة ولمقاومته نغرس في التلاميذ حب التآخي الاجتماعي وندفعهم إلى الانخراط في الأندية والجمعيات التربوية التي تمارس الانفتاح بالممارسة قولا وفعلا فيتربى التلاميذ في جو منفتح وسليم. فالتسامح والانفتاح هي من أزكى الأخلاق الإسلامية، فالتسامح هو بحث عن الأعذار للذي يخالفك وأن تتجاوز عن المسيء وتصفح وتمقت الانتقام أو الثأر.

ولا يفهم من تربية الاختلاف تكوينا للفرد على أن يختلف بتفرده هو فقط، بل هي تربية على أن يقبل تفرد غيره واختلاف الآخرين معه، ويتفتح عليهم ومدافعا عن حقهم في الاختلاف (9).

-
أنشطة الاكتساب:

إن الأنشطة التي يمكن للمدرسة أن تقررها وتضمنها القيم السالف ذكرها وتحقق الغايات التي تم إحصاؤها والتنويه بها في متن المقال كثيرة متعددة ومتنوعة، ولن تعدم المدرسة فرص تقريرها وتنظيمها، لا سيما وأن مذكرات وزارية صادرة عن وزارة التربية الوطنية منذ سنوات عديدة، وتعميمات أخرى ومراسلات ومطبوعات وكتبا كثيرة كلها تحصي الأنشطة وتعدد فوائدها وقيمتها وتحث على تنظيمها، ومن هذه الأنشطة نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

-
تشجيع التلاميذ على الانخراط في الجمعيات التربوية التي تعمل وتنشط في كنف المؤسسة المدرسية، أمثال جمعيات التعاون المدرسي والأندية الرياضية والثقافية المدرسية، وإشراكه في تسييرهما وتدبير شأنهما؛
-
إشراك التلاميذ في الاجتماعات المدرسية التعليمية والتربوية والتأديبية، وإسناد أدوار ومهام ضمن الاجتماعات لتحسيسه بأهمية رأيه وتحميله حصته من المسؤولية في تسير شأن مؤسسته؛
-
تنظيم النشاطات الكبرى من حفلات ومهرجانات ومعارض واستعراضات وجعل التلاميذ محور كل هذه النشاطات التي تقام في المدرسة؛
-
تنظيم المحاضرات والندوات وحلقات التدريس الجزئي باستغلال مناسبات الأعياد والأيام الوطنية والدولية؛
-
إحداث قنوات اتصال ووسائل إعلام وتثقيف رخيصة وميسورة مثل المطبوعات والنشرات الإعلامية الموجزة والملصقات والمطويات التي ينبغي إعدادها بعناية وإتقان وبإشراك التلاميذ.

فالجمعيات التربوية والأندية تتيح الفرص الذهبية للتلاميذ لتبادل الزيارات والتعارف والاشتراك في الحفلات وحلقات النقاش والتفاعل والاحتكاك بالآخر، وتدفعه إلى عمليات جديدة من الاكتساب مما يساعده على بلورة شخصيته وفي اتخاذ المواقف التي تصقل هذه الشخصية وتوضح توجهاتها، حتى تتعزز قدرتها على التأثر والتأثير والتفاعل ويتعزز الانتماء للمجتمع وتتعزز القناعة بأن الانعزال والهامشية والتعصب خطر على المجتمع. حتى تترسخ قيم التضامن التي يرتهن بها تأهيل الموارد البشرية.


*
خاتمة:

إن التربية المدرسية يجب أن تساهم في بناء صرح الدولة القوية السليمة، بتنشئة التلاميذ تنشئة ترسي من خلالها قواعد وأسس بناء المجتمع السليم المتوازن الذي توظف فيه طاقات أفراده المتجددة وتستثمر قدراتهم الخلاقة بشكل يساعد على استمرارية القدرة على التطور الذاتي والتقدم المستمر والتنمية المستديمة، وهي تتوخى تدريب المتعلمين على ذلك عبر كل المجالات المتاحة لها. وإن من أهم وأنبل أهداف التعليم تيسير اندماج المتعلمين في مسلسل التنمية وإشراكهم في برامجه ومخططاته. وأول خطوة في طريق الإدماج تبدأ من التأطير السياسي الوطني للشباب ودفعهم في الانخراط في العمل السياسي والاجتماعي، خاصة وأننا أصبحنا نستشعر الخطر من تفشي بعض المظاهر والسلوكات السلبية التي غدت تهدد تماسكنا الاجتماعي واستقرارنا السياسي كالتطرف والتعصب والعنف واللاتسامح والانتهازية والإعراض عن المشاركة السياسية، وغير ذلك مما أصبح ملحوظا حتى داخل فضاءاتنا التعليمية.
*
الزبير مهداد: كاتب مغربي
.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

ضع تعليقا خاصا ولا تنسى الاعجاب والاشتراك ادا اعجبك الموضوع للتوصل بكل ما هو جديد.شكرا.

الاسمبريد إلكترونيرسالة